OLD
تعدد مصادر الدخل
حمد بن عبدالله اللحيدان
إن أزمة الاقتصاد العالمي ظاهرة للعيان ويكاد يشعر بها القاصي
والداني ولكن المؤكد أن هذه الأزمة ليست وليدة سوء تقدير بل أكاد أقول انها
بفعل فاعل مستفيد وهذا الفاعل بالطبع ليس حكومات فقط ولكن مجموعات
احتكارية ومخابراتية وجهات تحكم خلف الكواليس وتخطط أبعد من مجرد أزمة
اقتصادية تحيق بالدول المنتجة من ناحية وتعود على أولئك ببعض المكاسب
المادية وتلك الجهات تعمل على تكرار تلك الأزمات الاقتصادية بصورة دورية
بحيث تفوض البنى التحية وتربك المخططات التنموية والاستراتيجية تمهيداً
لإعادة رسم مناطق النفوذ في العالم والتي بدأت بوادره تظهر هذه الأيام من
خلال أزمة الاقتصاد العالمي وحرب الإرهاب.
وما الهجوم الإرهابي على الولايات المتحدة الأمريكية في 11سبتمبر
الماضي إلا دليل على ضلوع جهات عديدة ذات قدرات استجابة عالية.. تعمل من
خلف الستار لأهداف ظاهرة لمسناها من الهجمة الشرسة ضد العرب والمسلمين وحصر
التهمة على جهة واحدة هي العرب.. وما ترتب على ذلك من خلق حرب الإرهاب
التي تشبه الشبح الغامض الذي يجعل جميع الدول تتوجس خيفة من أن تكون من ضمن
الدول المعنية بتلك الحرب كما أن هناك أهدافاً غامضة سوف تظهر نتائجها في
المستقبل.. وعلى أي حال فإن الاصطياد في الماء العكر من قبل اليهود ممثلين
في دولة إسرائيل ومخابراتها الموساد وكذلك اليهود المتواجدين في كثير من
دول الغرب وخصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية والذين تغلغلوا في جميع
الأجهزة الحساسة التي تشمل كلاً من الأجهزة التشريعية والتنفيذية وأجهزة
المخابرات كل هؤلاء لن تقر لهم عين وهم يرون الإسلام يزدهر وقاعدته المملكة
العربية السعودية تنعم بموارد اقتصادية مجزية ممثلة في البترول وما يترتب
على ذلك من تنمية تسير بخطى ثابتة نحو صنع مستقبل مشرق لذلك المعطاء. لذلك
فهم يعملون كل ما في وسعهم لخلق المشاكل بين المنتجين للبترول من أجل خفض
أسعاره كما أن الغرب بعلومه وشركاته يعملون الليل والنهار لإيجاد البدائل
المناسبة للبترول ومشتقاته.. لذلك فإن الذين يصطادون في الماء العكر يلجأون
إلى التشكيك والعمل على ابطاء حركة التنمية في الدول المنتجة من خلال خفض
أسعار البترول في الأسواق العالمية وفي نفس الوقت يعملون على المدى الطويل
على ايجاد البدائل والطرق التي تجعل مصادرنا البترولية ثانوية.. وخير دليل
على حسدهم لنا فرحهم بكل بديل للبترول يظهر في الساحة الدولية ففي
السبعينات قالوا ان احتياطات فنزويلا سوف تغني عن البترول العربي وقبل ذلك
قالوا ان بترول بحر الشمال سوف يلغي دور البترول العربي في الاقتصاد
العالمي، وفي التسعينات اكتشفوا احتياطات بحر قزوين وبذلوا ما في وسعهم
خلال العشر السنوات الماضية لجعله ينافس البترول العربي.. واليوم تدور حرب
الإرهاب في أفغانستان والتي ذهب بعض المحللين الاقتصاديين إلى القول ان تلك
الحرب لها هدفان رئيسيان هما: القضاء على حكم طالبان وتنظيم القاعدة من
ناحية والوصول إلى منطقة بحر قزوين من خلال أفغانستان من ناحية ثانية
خصوصاً أن أفغانستان قد خسرت كل شيء بسبب الحروب والمشاحنات القبلية التي
أعقبت الاحتلال السوفييتي ثم أكمل الناقض من خلال حرب الإرهاب الحالية..
ليس هذا فحسب بل ان الدول المتقدمة تعمل في الليل والنهار للتقليل من
الاعتماد على بترول الشرق الأوسط الذي يدر عائداً مجزياً لبعض الدول
العربية والإسلامية بالإضافة إلى كونه سلعة قابلة للنصوب ناهيك عن تلاعب
شركات البترول الغربية بأسعاره وجعل تكلفته على المستهلك الغربي باهظة من
خلال فرض ضرائب تصل إلى ثلاثة أضعاف ثمن شرائه من المنتج ثم يلقون باللائمة
على الدول المنتجة مع أنهم السبب.
من ذلك كله فإن علينا أن نعمل كل ما في وسعنا لتنويع قاعدتنا الاقتصادية
لتعزيز ثروتنا البترولية بمصادر دخل مساندة تجعلنا أقل اعتماداً عليها من
ناحية وتطيل عمره الافتراضي من ناحية ثانية بالإضافة إلى أن ذلك سوف يخلق
فرص عمل جديدة للأعداد المتزايدة من الشباب والذي يعول الأعداء على بطالته
وفراغه في زعزعة الاستقرار ويراهنون عليه في خلق مشاكل أمنية واجتماعية غير
متوقعة.
لذلك فإن البحث عن مصادر دخل جديدة يجب أن يكون هاجسنا الأول فبلادنا غنية بثروات كثيرة متعددة لعلنا نذكر منها:
1ـ البترول ومشتقاته هو مصدرنا الأول للدخل لذلك تكاد تكون جميع
فعالياتنا المعاشية والاقتصادية رهن بذلك المارد الأسود وما فتح باب
الاستثمار للمستثمر الأجنبي إلا خطوة رائدة لها مردودها المادي والأمني
والاستراتيجي لذلك فإن التسهيلات التي تقدمها الدولة من خلال الهيئة العامة
للاستثمار من أجل تشجيع الاستثمار الأجنبي تعتبر مهمة على ألا يؤثر ذلك
على مستقبل الشركات الوطنية العملاقة مثل أرامكو وسابك.. وعلى أية حال فإن
الاستثمار في مجال البتروكيماويات يعتبر رافداً مهماً إلا أنها تعتمد على
البترول والغاز وأسعارهما في السوق العالمية ومنافسة المنتجين لهذه السلع
لبعضهم البعض.
2ـ العمل على اكتشاف الفحم الحجري والعمل على تصديره للدول التي ما
زالت أو عادت لاستخدامه كمصدر من مصادر الطاقة يعتبر أمراً مهماً خصوصاً ان
تطوير مثل تلك الثروة وتصنيعها يحتاج إلى مال ونحن اليوم نملك ذلك فعلينا
أن نعمل على اكتشاف مواقعه ونتيح فرص الاستثمار في هذا المجال لمن يرغب
خصوصاً أن التقنية الحديثة قد جعلت من الفحم مصدرا مهما من مصادر الطاقة
الصديقة للبيئة.
3ـ هناك احتياطات ضخمة من المعادن في أكثر من (2100) موقع للذهب والفضة
والنحاس في المنطقة الغربية من المملكة وعلى الرغم من وجود بعض الشركات
العاملة في استخراج مثل تلك المعادن إلا أن ذلك لا يمنع من اعطاء الامتياز
لشركات أخرى منافسة ناهيك عن فتح باب الاستكشاف والاستثمار في هذا المجال
للأفراد والشركات الوطنية.. مما سوف ينعكس ايجابياً على تعزيز دور القطاع
الخاص وخلق فرص عمل أكثر خصوصاً إذا استفدنا من الأسلوب المتبع في هذا
الخصوص في كل من أستراليا وأمريكا وغيرهما.
4ـ الزراعة والصناعات الزراعية تعمل على تقليل الواردات ورفع مستوى
الدخل وتحسن مستويات المعيشة في المناطق الريفية.. ويعد التكامل الزراعي
الصناعي القائم على الصلة الوثيقة بين القطاعين من أهم عوامل التنمية
الاقتصادية وحيث ان المملكة تعد في مقدمة الدول المنتجة للتمور في العالم
وهذه السلعة تحظى بالدعم الحكومي عبر قنوات وزارة الزراعة والمياه والبنك
الزراعي وصندوق التنمية الصناعية سواء المباشر منها أو غير المباشر ومن ذلك
مثلاً تقديم (,025) ريال لكل كيلو جرام حافزاً للانتاج وكذلك دعم مشاتل
النخيل بمبلغ (50) ريالاً للفسيلة الواحدة فضلاً عن شراء بعض أصناف التمور
بسعر تشجيعي والتي توزع بعد تعبئتها على شكل معونات للدول الفقيرة، وقد أدى
ذلك التشجيع إلى زيادة إنتاج التمور في المملكة بصورة كبيرة حيث ارتفع
الإنتاج من نحو (,368000) طن عام 1983م إلى أكثر من (,600000) طن عام 1996م
أي بزيادة تصل إلى نحو 40% تقريباً..
ومما يجدر ذكره هنا أنه في السنوات الأخيرة أصبح تصدير التمور إلى دول
الخليج العربي مربحاً اقتصادياً لذلك فإن العمل على تسويق التمور خارج نطاق
منطقة الخليج بحيث تصل إلى العالم العربي والإسلامي وكذلك الدول الغربية
سوف يفتح المجال لهذه الثروة الوطنية للمشاركة كمصدر من مصادر الدخل الوطني
وتحفز على مزيد من الاستثمار في هذا المجال.. وعلى أي حال فإن الاتجاه إلى
الاستثمار الصناعي في المجال الزراعي بصورة عامة والنخيل ومنتجاته من
التمور وغيرها سوف يكون له انعكاسات كثيرة منها زيادة الرقعة الزراعية
للنخيل وخلق فرص عمل لأعداد كبيرة من الشباب في مجال الزراعة والصناعة
المترتبة عليه والصناعة في هذا المجال يمكن أن تشمل جميع منتجات النخلة من
التمر والسعف والليف والخشب والعراجد وغيرها فكلنا يذكر انه كان لدينا في
الأمس القريب كثير من الصناعات اليدوية المعتمدة على منتجات النخيل والتي
تكاد تندثر هذه الأيام.
وعلى العموم فإنه يحسن بنا اليوم أن نعمل على تحويل النخيل وزراعتها
وبالتالي منتجاتها إلى مصدر اقتصادي فاعل من خلال البدء في استثمار تلك
الشجرة المباركة في أمور عديدة تتمثل في صناعة التمور ليس من خلال التعبئة
فقط بل استعمال التمور في إنتاج مواد غذائية عديدة تخدم الصناعات الغذائية
الأخرى مثل الدبس والحلوى والزيوت بالإضافة إلى الصناعات الأخرى المعتمدة
على منتجات النخلة الأخرى مثل صناعة الأعلاف والورق والحبال والحصر وغيرها
مما يضيق المجال عن ذكره.
لذلك فإن الاهتمام بصناعة التمور ومشتقاتها والمنتجات الأخرى للنخيل
يعتبر أمراً مهماً يحسن الالتفات إليه والعمل على جعله مصدراً اقتصادياً
أكثر من ذي قبل مما ينعكس ايجابياً على الناتج المحلي.
5ـ السياحة تعتبر من أهم المصادر الاقتصادية لكثير من الدول لذلك جاء
قرار حكومتنا الرشيدة بانشاء الهيئة العليا للسياحة لخدمة هذا التوجه، وهذا
التوجه له مهمتان رئيسيتان الأولى: العمل على تشجيع السياحة الداخلية بحيث
يقلل ذلك من سفر كثير من المواطنين وبالتالي توفير مبالغ طائلة كانت تصرف
في خارج الوطن.. والثانية: العمل على جذب السياح من الخارج من مختلف مناطق
العالم وفي مقدمة ذلك تشجيع السياحة الدينية التي تشمل زيارة الأماكن
المقدسة في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة ناهيك عن خلق مناطق جذب
سياحي في مختلف مناطق المملكة بما يتناسب مع جاذبية كل منها وفي يقين ان
ذلك يتم الأخذ به والعمل من أجله، من قبل الهيئة العليا للسياحة فبهذين
الهدفين سوف نوفر كثيراً من المال ونحصل على كثير من المال أيضاً ناهيك عن
خلق فرص عمل جديدة لأعداد كبيرة من الشباب الذين يجب عليهم الانخراط في هذا
المجال الحيوي والالتحاق بالجهات والهيئات التي تعمل على تأهيلهم للعمل
فيه مثل كلية الأمير سلطان للسياحة والفندقة.. وربما يكون لأحداث 11من
سبتمبر في أمريكا أثر ايجابي وملموس على السياحة الداخلية والذي يحسن أن
نستغله بحيث نستطيع تحويل سلبيات ذلك الحدث إلى ايجابيات تتمثل في العمل
على توطين السياحة عن طريق توعية الناس بالمخاطر المترتبة على السياحة
الخارجية سواء الصحية أو الاقتصادية أو الأمنية أو غيرها من خلال الإعلام
والبرامج التوعوية الأخرى.
6ـ الاتجاه إلى الاستثمار في مجال التقنية المتقدمة بصورة أوسع والعمل
على أن تكون المملكة نقطة وصل في مجال النقل والمواصلات والاتصالات، ناهيك
عن العمل على ايجاد التسهيلات التي تجذب رجال الأعمال والشركات والمصانع من
مختلف بلدان العالم إلى بلادنا مثل انشاء المناطق الحرة وإقامة المعارض
العالمية، فموقع المملكة يعتبر فريداً من نوعه من حيث توسطه وإطلاله على
البحر الأحمر من جهة الغرب والخليج العربي من جهة الشرق فهذا الموقع يحسن
استغلاله في مجالات عديدة نحن أقدر على القيام بها من بعض الدول التي تقوم
بمثل هذا الدور مع أنها أقل قدرة منا عليه.
وفي الختام فإنني أحب أن أشير إلى أن ما ذكر ليس إلا أمثلة عامة أعرف
أنها وغيرها تحت المجهر وربما يكون العمل من أجل تحقيقها جار إلا ان العمل
على الاسراع في تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على البترول كمصدر أول
للدخل القومي سوف يفوت الفرصة على أولئك الذين يصطادون في الماء العكر
والذين يعكرون الأسعار مرة ويبحثون عن بديل للبترول مرة أخرى ويجتهدون في
خلق مناطق للتوتر مرة ثالثة ويعميهم الحسد والحقد ضد العروبة والإسلام
ممثلة في المملكة العربية السعودية قاعدتهما وحاميتهما فليجأون للهجوم
عليها والبحث عن المبررات لايقاف عجلة التقدم فيها من خلال التلاعب بأسعار
البترول وخلق أزمات اقتصادية هنا وهناك والتي تنعكس سلباً علينا لأننا
نعتمد على مصدر رئيسي واحد للدخل.. وحيث أننا نعي تلك الحقيقة فإنه يحسن
بنا أن نضع خطة زمنية محددة نصبح بعدها نملك أكثر من مصدر اقتصادي فاعل..
وما انشاء المجلس الاقتصادي الأعلى والذي يرأسه صاحب السمو الملكي الأمير
عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني ـ
حفظه الله ـ إلا خطوة رائدة في هذا الطريق والذي يحظى باهتمام سموه الكريم
لذلك فإننا نتوقع أن يضع ذلك المجلس خطة خمسية أو عشرية مثلاً نصبح بعدها
أقل اعتماداً على البترول.. وهنا يجدر بنا أن نشير إلى أن بعض الدول
استطاعت خلال عقدين من الزمن التحول من الاعتماد الكلي على البترول إلى
جعله المصدر الثاني أو الثالث للدخل القومي حيث بلغت مشاركة قطاع البترول
هناك حوالي 24% فقط من اجمالي ميزانية الدولة.. والله المستعان.
رابط الخبر :
http://www.alriyadh.com/2001/12/28/article29975.html