الأحساء
ضياع مليون نخلة
الخميس 1424-09-18هـ الموافق 2003-11-13م
العدد 11108 السنة التاسعة والثلاثون
د. محمد حامد الغامدي
كانت واحة الأحساء تعيش في هدوء،
بعيدا عن صخب المدن وضجيجها وشعاع أنوارها المزعجة.
مع قراها التاريخية، يكتنف اهلها حب البقاء والأرض.
وجاءت الحضارة، وتمددت حول الواحة أحياء سكنية وسط الصحراء الجرداء.
انتصبت الأبنية بأشكال وألوان ومساحات مختلفة، حتى في علوها عن سطح الأرض.
أصبحت الأحساء مباني وشوارع سوداء وأرصفة. ولكنها ما تزل تبحث عن الخضرة رمز الجمال والصحة.
ومع الحضارة،
طلعت علينا سوسة النخيل الحمراء،
وهلت على نخيل الأحساء ويلاتها.
حشرة صغيرة، ولكنها مربكة حتى للعقول.
بسببها ـ كما يدعون ـ تم إعدام مليون نخلة، وعن سبق إصرار وعمد وتخطيط.
وتم التنفيذ،
وكتبت عنه الجرائد المحلية مشيدة بهذا الجهد الجبار.
وبقيت أتساءل: القضاء على السوسة أم القضاء على النخيل؟
ذهبت النخيل وبقية السوسة وستظل.
هكذا،،
خسرت الأحساء وشوارعها حوالي مليون نخلة.
كانت خسارة كبيرة للبيئة، ولجمال الأحساء، وتنسيق ميادينها؟
مليون نخلة ضاعت هكذا بدون اكتراث.
لم ينظر إلى سنين عمر هذه النخيل،
لم ينظر إلى كميات المياه التي استهلكتها هذه النخيل،
لم ينظر إلى حياتها وجمالها،
لم ينظر إلى فوائدها وارتباطها وتشبثها بالأرض.
لم ينظر في شيء من هذا أو ذاك.
اجتثتها (المعدات الثقيلة) من الأرض، وهي واقفة، وبدون مقاومة.
ورمت بها إلى الأرض، وهي جثة هامدة، وبدون مقاومة.
وتم حرقها ـ كما يقولون ـ للتخلص من كل بقاياها.
وكان لبعضها مقابر جماعية،
بعضها ترك على الأرض للفرجة.
وكان السبب في كونها نخيلا مهملة،
مثلها مثل الكلاب الضالة، ليس لها صاحب.
وتقول: أن السبب هي السوسة الحمراء.
المدعي يقول: أن هذه النخيل المهجورة أصبحت مفرخة للسوسة الحمراء.
ولابد من إزالتها من الوجود، لمنع السوسة من التكاثر والانتشار.
لا اعرف على أي دراسة قامت هذه الدعوى؟
بل هل ثبت ذلك؟
وحتى في حال ثبوته،
ألم يكن هناك طريقة افضل للحفاظ على حياة هذه النخيل؟
لماذا لم يتم تهجير هذه النخيل إلى شوارع الأحساء؟
لماذا لم يتم توطينها في ميادين الأحساء؟
لماذا لم يتم توزيعها على المواطنين لزراعتها أمام بيوتهم، وفي ساحاتها؟
لماذا .....؟
ضاعت الحكمة وسط تصحر العقول.
كل الأجوبة لم تعد مفيدة،
(إذا فات الفوت ما ينفع الصوت)
ولكن الصوت هنا، ينفع للعبرة.
الأحساء بلد النخيل واكبر واحة في العالم،
شوارعها بدون نخيل، وميادينها خالية منه.
وحدائقها بدون نخيل،
تصحرت حتى من ابسط النباتات.
ونخيلها يجتث عمدا،
ولا ينتفع به كزرع في جهات أخرى.
سمعت البعض يقول: لا يوجد ميزانية لشراء نخيل لزرعها في الشوارع.
وسمعت قصصا يحكيها العجزة والمتقاعسون.
وسمعت حكاية اجتثاث مليون نخلة، وتعجبت.
كل واحد راكب رأسه.
وهناك تفكير اعوج، وهناك تفكير مستقيم.
ولكن البعض ليس له تفكير.
التخلص من هذه المليون نخلة،
وبهذه الطريقة، اعتبرها شخصيا مهزلة تاريخية.
لو زرعوا في شوارع الأحساء بذر نخلة (عجم)، قبل 30 سنة، لحصدنا اليوم.
لو زرعوا قبل 20 عاما، لحصدنا.
لو زرعوا قبل 10 سنوات، لحصدنا.
لو نزرع الآن، فسيحصدون.
السؤال كم ميزانية التشجير في العقود الثلاثة الماضية؟
وهل تقارن بما هي عليه شوارع الأحساء الآن من تجميل وتنسيق؟
حتى مداخل الأحساء خالية من النخيل،
وان وجد فإنها متداخلة مع شجرة المهندس الكسلان.
يزرعونها وبعد سنين يقطعونها بحجة جذورها الشيطانية.
وهكذا زرع وقطع،
وعلى المكشوف.
شوارع الأحساء، وميادينها، وحدائقها، يجب أن تكون مزروعة بكاملها بالنخيل.
ازرعوا حتى بالعجم.
سيكبر وسيعطي وسيجني أبناؤنا ثمرة جهدنا وغرسنا.
ولكني وبكل صدق،
ما زلت وسأظل أعيش حرقة إعدام المليون نخلة،
كلما تذكرت انه كانت هناك فرصة.
عدد القراءات: 305
ضياع مليون نخلة
الخميس 1424-09-18هـ الموافق 2003-11-13م
العدد 11108 السنة التاسعة والثلاثون
د. محمد حامد الغامدي
كانت واحة الأحساء تعيش في هدوء،
بعيدا عن صخب المدن وضجيجها وشعاع أنوارها المزعجة.
مع قراها التاريخية، يكتنف اهلها حب البقاء والأرض.
وجاءت الحضارة، وتمددت حول الواحة أحياء سكنية وسط الصحراء الجرداء.
انتصبت الأبنية بأشكال وألوان ومساحات مختلفة، حتى في علوها عن سطح الأرض.
أصبحت الأحساء مباني وشوارع سوداء وأرصفة. ولكنها ما تزل تبحث عن الخضرة رمز الجمال والصحة.
ومع الحضارة،
طلعت علينا سوسة النخيل الحمراء،
وهلت على نخيل الأحساء ويلاتها.
حشرة صغيرة، ولكنها مربكة حتى للعقول.
بسببها ـ كما يدعون ـ تم إعدام مليون نخلة، وعن سبق إصرار وعمد وتخطيط.
وتم التنفيذ،
وكتبت عنه الجرائد المحلية مشيدة بهذا الجهد الجبار.
وبقيت أتساءل: القضاء على السوسة أم القضاء على النخيل؟
ذهبت النخيل وبقية السوسة وستظل.
هكذا،،
خسرت الأحساء وشوارعها حوالي مليون نخلة.
كانت خسارة كبيرة للبيئة، ولجمال الأحساء، وتنسيق ميادينها؟
مليون نخلة ضاعت هكذا بدون اكتراث.
لم ينظر إلى سنين عمر هذه النخيل،
لم ينظر إلى كميات المياه التي استهلكتها هذه النخيل،
لم ينظر إلى حياتها وجمالها،
لم ينظر إلى فوائدها وارتباطها وتشبثها بالأرض.
لم ينظر في شيء من هذا أو ذاك.
اجتثتها (المعدات الثقيلة) من الأرض، وهي واقفة، وبدون مقاومة.
ورمت بها إلى الأرض، وهي جثة هامدة، وبدون مقاومة.
وتم حرقها ـ كما يقولون ـ للتخلص من كل بقاياها.
وكان لبعضها مقابر جماعية،
بعضها ترك على الأرض للفرجة.
وكان السبب في كونها نخيلا مهملة،
مثلها مثل الكلاب الضالة، ليس لها صاحب.
وتقول: أن السبب هي السوسة الحمراء.
المدعي يقول: أن هذه النخيل المهجورة أصبحت مفرخة للسوسة الحمراء.
ولابد من إزالتها من الوجود، لمنع السوسة من التكاثر والانتشار.
لا اعرف على أي دراسة قامت هذه الدعوى؟
بل هل ثبت ذلك؟
وحتى في حال ثبوته،
ألم يكن هناك طريقة افضل للحفاظ على حياة هذه النخيل؟
لماذا لم يتم تهجير هذه النخيل إلى شوارع الأحساء؟
لماذا لم يتم توطينها في ميادين الأحساء؟
لماذا لم يتم توزيعها على المواطنين لزراعتها أمام بيوتهم، وفي ساحاتها؟
لماذا .....؟
ضاعت الحكمة وسط تصحر العقول.
كل الأجوبة لم تعد مفيدة،
(إذا فات الفوت ما ينفع الصوت)
ولكن الصوت هنا، ينفع للعبرة.
الأحساء بلد النخيل واكبر واحة في العالم،
شوارعها بدون نخيل، وميادينها خالية منه.
وحدائقها بدون نخيل،
تصحرت حتى من ابسط النباتات.
ونخيلها يجتث عمدا،
ولا ينتفع به كزرع في جهات أخرى.
سمعت البعض يقول: لا يوجد ميزانية لشراء نخيل لزرعها في الشوارع.
وسمعت قصصا يحكيها العجزة والمتقاعسون.
وسمعت حكاية اجتثاث مليون نخلة، وتعجبت.
كل واحد راكب رأسه.
وهناك تفكير اعوج، وهناك تفكير مستقيم.
ولكن البعض ليس له تفكير.
التخلص من هذه المليون نخلة،
وبهذه الطريقة، اعتبرها شخصيا مهزلة تاريخية.
لو زرعوا في شوارع الأحساء بذر نخلة (عجم)، قبل 30 سنة، لحصدنا اليوم.
لو زرعوا قبل 20 عاما، لحصدنا.
لو زرعوا قبل 10 سنوات، لحصدنا.
لو نزرع الآن، فسيحصدون.
السؤال كم ميزانية التشجير في العقود الثلاثة الماضية؟
وهل تقارن بما هي عليه شوارع الأحساء الآن من تجميل وتنسيق؟
حتى مداخل الأحساء خالية من النخيل،
وان وجد فإنها متداخلة مع شجرة المهندس الكسلان.
يزرعونها وبعد سنين يقطعونها بحجة جذورها الشيطانية.
وهكذا زرع وقطع،
وعلى المكشوف.
شوارع الأحساء، وميادينها، وحدائقها، يجب أن تكون مزروعة بكاملها بالنخيل.
ازرعوا حتى بالعجم.
سيكبر وسيعطي وسيجني أبناؤنا ثمرة جهدنا وغرسنا.
ولكني وبكل صدق،
ما زلت وسأظل أعيش حرقة إعدام المليون نخلة،
كلما تذكرت انه كانت هناك فرصة.
عدد القراءات: 305